Africanité du maghréb
بين الذّاتية و الموضوعيّة:
كتاب "مجمل تاريخ المغرب" "لعبد الله العروي" مثالا
الأستطوغرافيا التّاريخية كقسم بحثي جديد قائم بذاته، لا يقتصر مجاله على تقصي نتائج الأبحاث التاريخية وحدها، وإنّما هو اشتغال بكيفية الكتابة و طرائق عملها قصد تفهّم مقاصد هذه الكتابة ودوافعها الواعية و غير الواعية والوظائف التي تؤديها في الحاضر، ما يوفر لنا إمكانية اقتحام الحقل العلمي للمؤرّخ للنظر في الكيفيّة التي يتموضع بها داخل مجال بحثه كذات اجتماعية تعيش على وقع صراعات ورهانات لا علاقة لها أحيانا بالكتابة كمعرفة صرف، يجعل من الكتابة التاريخية المغاربية موضوعا للبحث جديرا بالاعتناء، يحمل من الوجاهة العلمية والاجتماعية ما يمكننا من مساءلة هذه الكتابة والتفكير في معرفتنا بها لنرى أين نحن ممّا نكتب وكيف نكتب ماضينا، لاسيّما الكتابات التي سعى فيها عديد الباحثين المغاربة بعد الاستقلال، إعادة للتوازن المعرفي وتأصيلا للبحث التاريخي بمغربته مضمونا وشكلا إلى إعادة كتابة تاريخ المغرب من خلال نظرة المغرب عن ذاته، طمعا للتوصل إلى الواقع المدروس في صورة وجوده الموضوعي.
فإلى أي مدى تمكنّت هذه الكتابة المغربية من أن تنتج معرفة موضوعية كافية حول ذاتها؟ ما قيمتها المعرفية والابستيمولوجية؟ إلى أي حدّ تمكنّت من الانتقال من الايديولوجيا إلى العلم؟
من بين هذه الكتابات نتوقف عند كتاب "مجمل تاريخ المغرب" "لعبد الله العروي" من جيل الروّاد، جيل مؤسس، ظهرت لديه بوادر مشروع كتابة تاريخية جديدة درس بالغرب وتعلّم منه مناهج وآليات البحث المعاصر. عبّر في جلّ ما ألف عن اهتمام خاصّ بالتاريخ وبأهميّة الوعي التاريخي، شأن كتابه " العرب والفكر التاريخي." " ثقافتنا في ضوء التاريخ" وكذالك كتاب " أزمة المفكّرين العرب تقليدية أم تاريخانيّة" ، وجعل من هذا المفهوم الأخير وهو التّاريخانيّة أساسا في نظريّته التحدّيثية. هذا إضافة إلى كونه من الكتب التاريخيّة القليلة التي جمعت إلى موسوعيّة المعرفة وثراء التوثيق والنباهة، جرأة على ممارسة التاريخ لا القطاعي والجزئي لبلد معيّن أو فترة معيّنة أو ظاهرة بل بحثت في مجمل تاريخ المغرب و طمحت إلى إدراكه في وحدته وشموليّته ولم تقنع بالوصف و العرض و التسجيل بل قدمّت قراءة جديدة وتأويلا جديدا. و مع ذلك لم يحظ بالاهتمام نفسه الذي حظيت به سائر كتبه.
صدر هذا الكتاب