Tunisie
تلكم البقعة الخضراء التي صارت رمزا للحرية والتضحية والإرادة والعزة والكرامة ، تونس التي اشتق اسمها من المؤانسة إذ لما وصلها الفتح العربي الإسلامي بقيادة عقبة بن نافع وجدوها غابات وأحراش موحشة والفاتحون جاءوا من جزيرة العرب فما عرفوا غير البيئة الصحراوية الخالية من الأحراش، فاستوحشوا طبيعتها لكن قائد السرايا دعا جنوده بأن يحطوا أسلحتهم وأمتعتهم بجوار صومعة راهب وقال لهم إن هذه الصومعة تؤنس وصاروا يتبادلون اسم المنطقة بـ ( تؤنس ) ومع مرور الوقت خففت الهمز وأصبحت تنطق تونس التي هي اليوم تؤنس كل الأحرار وتخيف كل العملاء الخونة.
*****
دائما ما يعتقد الحاكم المستبد بأنه محصن ومصفح وأن نظامه خالد لا يزول ، فزبانيته وأزلامه يوهموه بأنهم يسيطرون على كل مقاليد السلطة ،
من خلال رجال الشرطة السرية المندسين في كل مؤسسات الدولة ،
والذين يجندون البعض إكراها ليوشوا بالناس فيزعزعون الثقة بين أفراد الشعب وبين أبناء
الأسرة الواحدة ويظن كل فرد بأنه مراقب من صنو له أو زميل أو جار. ويزداد النظام وحشية وشراسة وقمعا فيضيق على الناس في أرزاقهم ويضطهد قادة الرأي والإصلاح فيهم ، فيملأ السجون بهم ليحطم معنويات الناس، كي يتسرب الوهن واليأس والإحباط إلى نفوسهم فيرتضوا الخنوع ، لكن الحاكم البائس لا يدري أن الرماد تحته جمر ثائر لا يعرف الهدوء
*****
فما وقع في تونس جاء خارج كل التوقعات وفاق كل قدرات الاستخبارات وقوى الأمن السري في نظام
كان يعد على الناس أنفاسهم ، ويراقب من يواظب على صلاة الفجر، ويتابع من يسمع صوت للقرآن في بيته ، ويرصد الشباب الطاهر الذي لا يتخذ أخدانا ، ويعتقل كل نقابي أو صحافي ينادي بالحرية أو يكشف فسادا ، فكانت توقعات بن على ونظامه أنه خالد بعد أن ظن أنه
قد ملك تونس ومن عليها وأنه استطاع أن يقضي على القيم الأخلاقية ويفصم النسيج الاجتماعي الذي يشكل الدوافع الإنسانية التي تتطلع للحرية
*****
لكن الشعب التونسي ادخر الغضب ليوم الغضب ، واحتمل
الأذى ليوم النصر ، وتجرع الصبر للحظة التحرر ، وعزم في صمت على الاستعداد ليوم الكريهة ، فنهل من العلوم حتى صار أكثر الشعوب العربية تعلما على صعيد الكم وعلى صعيد النوع وأتقن اللغة العربية
رغم اجتياح تيار الفرانكفونية واستحواذه على مفاصل الإدارات
والمؤسسات والوظائف القيادية في